قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر ، واشهاده إياهم على أنفسهم تبليغه إياهم وإكماله عقولهم ، وما نصب فيها من الادلة الدالة بأنه مصنوع (١) ، وأن المصنوع لا بدله من صانع.
وبما أشهدهم مما يحدث فيهم من الزيادة والنقصان والآلام والأمراض الدال بجميع ذلك على أن لهم خالقا رازقا تجب معرفته والقيام بشكره.
فأما ما روي من أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم وهم كالذر ، فان ذلك غير جائز ، لان الأطفال فضلا عمن هو كالذر لا حجة عليهم ولا يحسن خطابهم بما يتعلق بالتكليف.
ثم ان الاية تدل على خلاف ما قالوه ، لان الله تعالى قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) فقال : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل من ظهره وقال : (ذُرِّيَّتَهُمْ) ولم يقل ذريته.
ثم قال (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) فأخبر أن هذه الذرية قد كان قبلهم انا (٢) مبطلون وكانوا هم بعدهم.
فصل : قوله (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) الاية : ١٧٦.
ضرب الله مثل التارك لآياته والعادل عنها بأخس مثل في أخس أحواله ، فشبهه بالكلب ، لان كل شيء يلهث فإنما يلهث في حال الاعياء والكلال الا الكلب ، فانه يلهث في حال الراحة وحال الصحة وحال المرض وحال الري وحال العطش وجميع الأحوال ، فقال تعالى ان وعظته فهو ضال وان لم تعظه فهو ضال.
وقال الجبائي : انما شبهه بالكلب ، لأنه لما كفر بعد إيمانه صار يعادي المؤمنين ويؤذيهم ، كما أن الكلب يؤذي الناس طردته أو لم تطرده ، فانه لا يسلم من أذاه.
__________________
(١). في التبيان : مصنوعون.
(٢). كذا في النسخ الثلاث ، وفي التبيان : آباء.