له استباحة المحرم ، كما قلناه في قتل نفس الغير ليدفع عن نفسه القتل.
وأصل البغي الطلب من قولهم : بغى الرجل حاجته يبغيها بغاءا. والبغاء : طلب الزنا ، وانما اقتضى ذلك المغفرة هاهنا أحد أمرين : أحدهما : النهي عما كانوا عليه من تحريم ما لم يحرمه الله من السائبة والوصيلة والحام ، فوعد بالمغفرة عند التوبة والانابة والطاعة فيما أباحه أو حظره.
والقدر المباح من الميتة عند الضرورة ما يمسك الرمق عندنا ، وفيه خلاف ذكرناه في خلاف الفقهاء.
فصل : قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) الاية : ١٧٤.
ليس المراد به أنهم إذا اشتروا به ثمنا كثيرا كان جائزا ، وانما القصد أن كل ما يأخذونه في مقابلته من حطام الدنيا ، فهو قليل كما قال (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) (١) وكما قال (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) (٢) وانما أراد أن قتل النبيين لا يكون الا بغير حق وان من ادعي مع الله إلها آخر لا يقوم له عليه برهان وكما قال الشاعر :
على لا حب لا يهتدى بمناره
والمعنى لا لاحب هناك فيهتدى به ، لأنه لو كان لاهتدى به.
والبطن خلاف الظهر ، وعرفت هذا الامر باطنه وظاهره ، اي : سره وعلانيته وفلان بطانتي دون اخواني ، أي : الذي أبطنه أمري.
وقوله (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) قيل : في معناه قولان :
أحدهما : لا يكلمهم بما يحبون ، وانما هو دليل على الغضب عليهم ، وليس
__________________
(١). سورة آل عمران : ٢١.
(٢). سورة المؤمنون : ١١٧.