الاية : ١١٨.
فان قيل : ما معنى التوبة عليهم واللائمة لهم وهم قد خلفوا ، فهلا عذروا.
قيل : ليس المعنى أنهم أمروا بالتخلف ، أو رضي منهم به ، بل كقولك لصاحبك : أين خلفت فلانا؟ فيقول : بموضع كذا. ليس يريد أنه أمره بالتخلف هناك ، بل لعله أن يكون نهاه ، وانما يريد أنه تخلف هناك.
فصل : قوله (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) الاية : ١٢٢.
التفقه : تعلم الفقه. والفقه فهم موجبات المعنى المتضمنة بها من غير تصريح بالدلالة. وصار بالعرف مختصا بمعرفة الحلال والحرام وما طريقه الشرع.
واستدل جماعة بهذه الاية على وجوب العمل بخبر الواحد ، بأن قالوا : حث الله تعالى الطائفة على النفور والتفقه حتى إذا رجعوا الى غيرهم أنذروهم ليحذروا فلولا أنه يجب عليهم القبول منهم لما وجب عليهم الانذار والتخويف.
والطائفة تقع على جماعة لا يقع بخبرهم العلم ، بل تقع على واحد ، لان المفسرين قالوا في قوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أنه يكفي أن يحضر واحد.
وهذا الذي ذكروه ليس بصحيح ، لان الذي يقتضيه ظاهر الاية وجوب النفور على الطائفة من كل فرقة ووجوب التفقه والانذار إذا رجعوا.
ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم ، ولو سلمنا أنه يتناول الواحد أو جماعة قليلة ، فلم إذا وجب عليهم الانذار وجب على من يسمع القبول؟ والله تعالى انما أوجب على المنذرين الحذر ، والحذر ليس من القبول في شيء ، بل الحذر يقتضي وجوب البحث عن ذلك حتى تعرف صحته من فساده بالرجوع الى الادلة.