في الشهر الحرام ، فعابوا المؤمنين بذلك ، فبين الله تعالى أن الفتنة في الدين أعظم من قتل المشركين في الشهر الحرام وان كان محظورا لا يجوز.
فصل : قوله (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الاية : ١٩٢.
معنى قوله «فان انتهوا» يعني عن كفرهم بالتوبة منه ، في قول مجاهد وغيره من المفسرين.
وفي الاية دلالة على أنه تقبل توبة القاتل عمدا ، لأنه بين أنه يقبل توبة المشرك وهو أعظم من القتل ، ولا يحسن أن يقبل التوبة من الأعظم ولا يقبل من الأقل.
فصل : قوله (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) الاية : ١٩٤.
أشهر الحرم أربعة : رجب وهو فرد ، وثلاثة أشهر سرد : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، والمراد هاهنا ذو القعدة ، وهو شهر الصد عام الحديبية. وانما سمي الشهر حراما لأنه كان يحرم فيه القتال ، فلو أن الرجل يلقى قاتل ابنه أو أبيه لم يعرض له بسبيل. وسمي ذو القعدة ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال.
فان قيل : كيف جاز قوله (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) مع قوله (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) (١).
قلنا : الثاني ليس باعتداء على الحقيقة ، وانما هو على وجه المزاوجة ، ومعناه المجازاة على ما بينا ، والمعتدي مطلقا لا يكون الا ظالما فاعلا لضرر قبيح ، وإذا كان مجازيا فإنما يفعل ضررا حسنا.
فان قيل : كيف قال (بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) والاول جور والثاني عدل.
قلنا : لأنه مثله في الجنس وفي مقدار الاستحقاق ، لأنه ضرر كما أن الاول ضرر ، وهو على مقدار ما يوجبه الحق في كل جرم.
فصل : قوله (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا
__________________
(١). سورة البقرة : ١٩٤.