هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١) وقال بعضهم : من أي وجه ، واستشهد بقول الكميت ابن زيد :
أنى ومن أين آبك الطرب |
|
من حيث لا صبوة ولا ريب (٢) |
وهذا لا شاهد فيه ، لأنه يجوز أن يكون أنى به لاختلاف اللفظين ، كما يقولون : متى كان هذا وأي وقت كان ، ويجوز أن يكون بمعنى كيف. وتأول مالك فقال : أنى شئتم يفيد جواز الإتيان في الدبر ، ورواه عن نافع عن ابن عمر ، وحكاه زيد ابن أسلم عن محمد بن المنكدر ، وروي من طرق جماعة عن ابن عمر ، وبه قال أكثر أصحابنا ، وخالف في ذلك جميع الفقهاء والمفسرين ، وقالوا : هذا لا يجوز من وجوه :
أحدها : أن الدبر ليس بحرث ، لأنه لا يكون منه الولد ، وهذا ليس بشيء ، لأنه لا يمتنع أن تسمى النساء حرثا ، لأنه يكون منهن الولد ، ثم يبيح الوطء فيما لا يكون منه الولد ، يدل على ذلك أنه لا خلاف أنه يجوز الوطء بين الفخذين ، وان لم يكن هناك ولد.
وثانيها : قالوا قال الله (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) وهو الفرج والإجماع على أن الاية الثانية ليست بناسخة للأولى. وهذا أيضا لا دلالة فيه ، لان قوله (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) معناه : من حيث أباح الله لكم ، أو من الجهة التي شرعها لكم على ما حكيناه عن الزجاج ، ويدخل في ذلك الموضعان معا.
وثالثها : قالوا ان معناه : من أين شئتم ، أي ائتوا الفرج من أين شئتم ، وليس في ذلك اباحة لغير الفرج ، وهذا أيضا ضعيف ، لأنا لا نسلم أن معناه الفرج ، بل عندنا معناه :
__________________
(١). سورة آل عمران : ٣٧.
(٢). الهاشميات ص ٤١.