فصل : قوله (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى. فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ) الآيات : ١١٦ ـ ١٢٠.
قد بينا فيما تقدم أن أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم يدل على تفضيله عليهم وان كان السجود لله تعالى لا لآدم ، لان السجود عبادة لا يجوز أن يفعل الا لله تعالى فأما المخلوقات فلا يستحق شيئا من العبادة بحال ، لأنها تستحق بأصول النعم وبقدر من النعم لا يوازيها نعمة منعم. وقال قوم : ان سجود الملائكة لآدم كان كما يسجد الى الكعبة ، وهو قول الجبائي.
والصحيح الاول ، لان التعظيم الذي هو في أعلى المراتب حاصل لله لا لآدم بإسجاد الملائكة له ، ولو لم يكن الامر على ما قلناه من أن في ذلك تفضيلا لآدم عليهم لما كان لامتناع إبليس من السجود له وجه ، ولما كان لقوله (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١) وجه.
فلما احتج إبليس بأنه أفضل من آدم وان أخطأ في الاحتجاج ، علمنا أن موضوع الامر بالسجود لآدم على جهة التفضيل ، والا كان يقول الله لإبليس : اني ما فضلته على من أمر به بالسجود لآدم وانما السجود لي ، وهو بمنزلة القبلة ، فلا ينبغي أن يأنف من ذلك.
وقدمنا أيضا أن الظاهر في روايات أصحابنا أن إبليس كان من جملة الملائكة وهو المشهور من قول ابن عباس ، وذكره البلخي ، فعلى هذا يكون استثناء إبليس من جملة الملائكة استثناء متصلا.
ومن قال : ان إبليس لم يكن من جملة الملائكة ، قال : هو استثناء منقطع.
قوله «فتشقى» قيل : معناه تشقى أي : تتعب بأن تأكل من كد يدك وما تكسبه لنفسك.
__________________
(١). سورة الاعراف : ١١.