وقال قوم : هو ميزان ذو كفتين توزن بها صحف الاعمال. وقال بعضهم : يكون في احدى الكفتين نور وفي الاخرى ظلمة ، فأيهما رجح علم به مقدار ما يستحقه ويكون الوجه (١) في ذلك ما فيه من اللطف والمصلحة في دار الدنيا.
فصل : قوله (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) الاية : ٦٣.
انما جاز أن يقول (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) وما فعل شيئا لاحد أمرين :
أحدهما : أنه قيده بقوله (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) فقد فعله كبيرهم ، وقوله (فَسْئَلُوهُمْ) اعتراض بين الكلامين كما يقول القائل : عليه الدراهم فاسأله ان أقر.
الثاني : انه خرج مخرج الخبر وليس بخبر ، وانما هو الزام يدل على تلك الحال ، كأنه قال : بل ما ينكرون فعله كبيرهم هذا ، والإلزام تارة يأتي بلفظ السؤال ، وتارة بلفظ الامر ، كقوله (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (٢) وتارة بلفظ الخبر ، والمعنى فيه أنه من اعتقد كذا لزمه كذا.
ولا يجوز على الأنبياء القبائح ، ولا يجوز عليهم التعمية في الاخبار ، ولا التقية في أخبارهم ، لأنه يؤدي الى التشكيك في أخبارهم ، فلا يجوز ذلك عليهم على وجه.
فأما ما روي عن النبي عليهالسلام أنه قال : لم يكذب ابراهيم الا ثلاث كذبات كلها في الله. فانه خبر لا أصل له ، لان الكذب يشكك في اخبار الكاذب ، ولو حسن الكذب على وجه كما يتوهم بعض الجهال لجاز من القديم ذلك.
فصل : قوله (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) الاية : ٦٩.
قيل : فيه قولان :
أحدهما : أنه تعالى أحدث فيها بردا بدلا من شدة الحرارة التي فيها فلم تؤذه.
والثاني : أنه تعالى حال بينها وبين جسمه فلم تصل اليه ، ولو لم يقل وسلاما
__________________
(١). في التبيان : المعرفة.
(٢). سورة يونس : ٣٨.