علمنا أنهم محقون.
والكلام على ذلك من وجوه :
أحدها : أن الاستخلاف هاهنا ليس هو الامارة والخلافة ، بل المعنى هو ابقاؤهم في أثر من مضى من القرون ، وجعلهم عوضا منهم وخلفا ، كما قال (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) (١) وقال (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) (٢) وقال (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) (٣).
وإذا ثبت ذلك فالاستخلاف والتمكين الذي ذكره الله في الاية كانا في أيام النبي عليهالسلام حين قمع الله أعداءه وأعلى كلمته ونشر ولايته وأظهر دعوته وأكمل دينه ونعوذ بالله أن نقول : لم يمكن الله دينه لنبيه في حياته حتى تلافى ذلك متلاف بعده.
وليس كل التمكين كثرة الفتوح والغلبة على البلدان ، لان ذلك يوجب أن دين الله لم يتمكن بعد الى يومنا ، هذا لعلمنا ببقاء ممالك للكفر كثيرة لم يفتتحها بعد المسلمون ، ويلزم على ذلك امامة معاوية وبني أمية ، لأنهم تمكنوا أكثر من تمكن أبي بكر وعمر ، وفتحوا بلادا لم يفتحوها.
ولو سلمنا أن المراد بالاستخلاف الامامة ، للزم أن يكون منصوصا عليهم ، وذلك ليس بمذهب أكثر مخالفينا ، وان استدلوا بذلك على صحة إمامتهم ، احتاجوا أن يدلوا على ثبوت إمامتهم بغير الاية ، وأنهم خلفاء للرسول حتى تتناولهم الاية.
فان قالوا : المفسرون ذكروا ذلك.
قلنا : لم يذكر جميع المفسرين ذلك ، فان مجاهدا قال : هم أمة محمد عليهالسلام
__________________
(١). سورة فاطر : ٣٩.
(٢). سورة الاعراف : ١٢٨.
(٣). سورة الانعام : ١٣٣.