فأما قوله (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (١) فحسن جميل بهذا التقييد.
وقوله (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قال الفراء : تقديره لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم ، فالهاء والميم للمجرمين ، كما قال (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) (٢).
وقال الحسن : لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ليعلم ذلك من قبلهم وان سئلوا سؤال توبيخ وتقريع.
قوله (اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) حكى الله ان الذين تمنوا مكانه بالأمس حين خرج عليهم على زينته لما رأوه خسف الله به أصبحوا يقولون (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) أي : يوسع رزقه على من يشاء ويضيق على من يشاء اعترفوا بذلك.
ومعنى «وي» التنبيه على أمر من الأمور ، وهي حرف مفصول من كأن ، في قول الخليل وسيبويه واختيار الكسائي.
وقيل : (وَيْكَأَنَّهُ) بمنزلة ألا كأنه ، وأما كأنه.
وقيل : هي ويك بأن الله كأنه قال تنبيهك بهذا الا أنه حذف ، قال عنترة :
ولقد شفى نفسي وابدا (٣) سقمها |
|
قتل الفوارس ويك عنتر أقدم (٤) |
ثم قال تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) يعني الجنة (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) وانما قبح طلب العلو في الأرض ، لأنه ركون اليها وترك طلب العلو في الاخرة ومعاملة لها بخلاف ما أراده الله بها من أن تكون دار ارتحال لا دار مقام فيها.
__________________
(١). سورة آل عمران : ١٧٠.
(٢). سورة الرحمن : ٣٩.
(٣). في التبيان : وأذهب.
(٤). ديوان عنترة ص ٣٠.