وغير ذلك من اختلاف المذاهب الباطلة.
والاختلاف هو اعتقاد كل واحد نقيض ما يعتقده الاخر ، وهو ما لا يمكن أن يجتمعا في الصحة ، وان أمكن أن يجتمعا في الفساد. ألا ترى أن اليهودية والنصرانية لا يجوز أن يكونا صحيحتين مع اتفاقهما في الفساد.
ويجوز أن يكون في اختلاف أهل الملل المخالفة للإسلام حق ، لان اعتقاد اليهودي أن النصرانية باطلة ، واعتقاد النصراني أن اليهودية فاسدة حق.
والمعنى : ولا يزالون مختلفين بالباطل الا من رحم ربك بفعل اللطف لهم.
وقوله «ولذلك خلقهم» قيل : في معناه قولان :
أحدهما : قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك أن المراد وللرحمة خلقهم وليس لاحد أن يقول : لو أراد ذلك لقال ولتلك خلقهم ، لان الرحمة مؤنثة اللفظ وذلك أن تأنيث الرحمة ليس بتأنيث حقيقي ، وما ذلك حكمه جاز أن يعبر عنه بالتذكير ، ولذلك قال الله تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (١) ولم يقل قريبة.
الثاني : أن يكون اللام لام العاقبة ، والتقدير : انه خلقهم وعلم أن عاقبتهم تؤول الى الاختلاف المذموم ، كما قال (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢) ولا يجوز أن يكون اللام لام الغرض ، ويرجع الى الاختلاف المذموم ، لان الله تعالى لا يخلقهم ويريد منهم خلاف الحق ، لأنه صفة نقص يتعالى الله عن ذلك.
وأيضا فلو أراد منهم ذلك الاختلاف لكانوا مطيعين له ، لان الطاعة هي موافقة الارادة أو الامر ، ولو كانوا كذلك لم يستحقوا عقابا وقد قال تعالى (وَما خَلَقْتُ
__________________
(١). سورة الاعراف : ٥٦.
(٢). سورة القصص : ٨.