فصل : قوله (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) الاية : ١٦.
الفرار الذهاب عن الشيء خوفا منه. وانما فرق الله بين الموت والقتل لان القتل غير الموت ، والقتل نقض بنية الحيوانية ، والموت ضد الحياة عند من أثبته معنى ، والقتل يقدر عليه غير الله ، والموت لا يقدر عليه غيره.
فصل : قوله (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) : الآيات : ٢١ ـ ٢٥.
أي : اقتداء حسن في جميع ما يقوله ويفعله متى فعلتم مثله كان ذلك حسنا والمراد بذلك الحث على الجهاد والصبر عليه في حروبه والتسلية لهم مما ينالهم من المصائب ، فان النبي عليهالسلام شج رأسه وكسرت رباعيته في يوم أحد وقتل عمه حمزة ، فالتأسي به في الصبر على جميع ذلك من الاسوة الحسنة.
وذلك يدل على أن الاقتداء بجميع أفعال النبي عليهالسلام حسن جائز ، الا ما قام الدليل على خلافه ، ولا يدل على وجوب الاقتداء به في أفعاله ، وانما يعلم ذلك بدليل آخر.
فالاسوة حال لصاحبها يقتدي بها غيره فيما يقول به ، فالاسوة تكون في انسان وهي أسوة لغيره ، فمن تأسى بالحسن ففعله حسن.
وقوله (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي : منهم من صبر حتى قتل في سبيل الله وخرج الى ثواب ربه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) ذلك (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) أي : لم يبدلوا الايمان بالنفاق ولا العهد بالحنث.
وروي أن الاية نزلت في حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وعلي ابن أبي طالب ، والذي قضى نحبه حمزة وجعفر ، والذي ينتظر علي عليهالسلام.
قوله (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) لا يدل على أن ما يجب غفرانه من الكبائر عند التوبة يجوز تعليقه بالمشيئة ، لان على مذهبنا انما جاز ذلك لأنه لا يجب إسقاط العقاب بالتوبة عقلا ، وانما علمنا ذلك بالسمع ، وأن الله يتفضل بذلك.