فالسادة جمع سيد ، وهو المالك (١) المعظم الذي يملك تدبير السواد الأعظم ويقال للجمع الأكثر السواد الأعظم ، يراد به السواد المنافي لشدة البياض والضياء الأعظم.
فصل : قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) الاية : ٧٢.
الامانة هي العقد الذي يلزم الوفاء به مما من شأنه أن يؤتمن على صاحبه ، وقد عظم الله شأن الامانة في هذه الاية وأمر بالوفاء بها ، وهو الذي أمر به في سورة المائدة ، وعناه بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
وقيل : في قوله (عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) مع أن هذه الأشياء كمالات لا يصح تكليفها أقوال :
أحدها : أن المراد عرضنا على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال.
وثانيها : أن المعنى في ذلك تفخيم شأن الامانة وتعظيم حقها ، وأن من عظم منزلتها أنها لو عرضت على الجبال والسماوات مع عظمها ، وكانت تعلم بأمرها لا شفقت منها ، غير أنه خرج مخرج الواقع ، لأنه أبلغ من المقدر.
وقيل : الامانة ما خلق الله تعالى في هذه الأشياء من الدلائل على ربوبيته ، فظهور ذلك منها كأنهم أظهروها ، والإنسان جحد ذلك وكفر به.
وانما قال (فَأَبَيْنَ) ولم يقل فأبوا حملا على اللفظ ، ولم يرده الى معنى الآدميين ، كما قال (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٢) (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٣) حملا على المعنى دون اللفظ.
__________________
(١). في التبيان : الملك.
(٢). سورة يوسف : ٤.
(٣). سورة الشعراء : ٤.