فأما الإكراه على أخذ مال الغير ، أو إدخال ضرر عليه دون القتل ، فمتى علمنا بالشرع وجوب فعل ذلك عند الإكراه أو حسنه ، علمنا أنه خرج بذلك من كونه قبيحا ، وأن الله ضمن من العوض عليه ما يخرجه عن كونه قبيحا ، كما نقول في ذبح البهائم. ومتى لم يعلم بالشرع ذلك ، فانه يقبح إدخال الضرر على الغير وأخذ ماله.
فأما إدخال الضرر على نفسه ببذل مال ، أو عمل جراح ليدفع بذلك عن نفسه ضررا أعظم منه ، فانه يحسن. لأنه وجه يقع عليه الألم ، فيصير حسنا. وهذا باب أحكمناه في كتاب الأصول ، لا يحتمل هذا الموضع أكثر منه.
وقوله (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) انما جاز ذلك مع أنه لا خير في الزقوم لامرين :
أحدهما : على الحذف ، بتقدير أسبب هذا الذي أدى اليه خير أم سبب ذلك النار ، كأنهم قالوا فيه خير لما عملوا ما أدى اليه.
والنزل الفضل طعام له نزل ونزل ، أي فضل ريع.
والزقوم قيل : هو ثمر شجرة منكرة جدا من قولهم «يزقم هذا الطعام» إذا تناوله على تكره ومشقة شديدة. وقيل : شجرة الزقوم ثمرة مرة خشنة منتنة الرائحة.
وقوله (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) قيل : في تشبيه ذلك برءوس الشياطين مع أن رؤوس الشياطين لم تر قط ثلاثة أقوال :
أحدها : أن قبح صورة الشيطان متصور في النفس ، ولذلك يقولون لشيء يستقبحونه جدا كأنه شيطان ، وقال امرؤ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوال (١) |
فشبه بأنياب أغوال وهي لم تر ، ويقولون : كأنه رأس شيطان وانقلب علي
__________________
(١). ديوان امرئ القيس ص ١٦٢.