المنجمين طلبا للاحكام ، لان ذلك فاسد ، ومثله قول الشاعر :
أسهري ما سهرت أم حكيم |
|
واقعدي مرة لذاك وقومي |
وافتحي الباب وانظري في النجوم |
|
كم علينا من قطع ليل بهيم |
وقال الزجاج : نظر في النجوم كنظرهم ، لأنهم كانوا يتعاطون علم النجوم فتوهمهم (١) أنه يقول مثل قولهم ، فقال عند ذلك (إِنِّي سَقِيمٌ) فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل على سقمه.
وقال أبو مسلم : معناه أنه نظر فيها نظر مفكر ، فاستدل بها على أنها ليست آلهة له ، كما قال تعالى في سورة الانعام (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) (٢) تمام الآيات ، وكان هذا منه في زمان مهلة النظر.
وهذا الذي ذكره يمنع منه سياق الاية ، لان الله تعالى حكى عن ابراهيم أنه جاء ربه بقلب سليم ، يعني سليم من الشرك ، وذلك لا يليق بزمان مهلة النظر.
ثم انه قال لقومه على وجه التقبيح لفعلهم (ما ذا تَعْبُدُونَ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) وهذا كلام عارف بالله مستبصر ، فكيف يحمل على زمان مهلة النظر.
وقيل : في معنى قوله «اني سقيم» أي : سقيم القلب فيما أرى من أحوالكم القبيحة من عبادة غير الله وعدو لكم عن عبادته ، مع وضوح الدلالة الدالة على توحيده واستحقاقه للعبادة منفردا بها. وقيل : معناه أي سأسقم في المستقبل.
فأما من قال : انه لم يكن سقيما وانما كذب فيه ليتأخر عن الخروج معهم الى عيدهم ليكسر أصنامهم ، وأنه يجوز الكذب في المكيدة والتقية ، فقوله باطل لان الكذب قبيح لا يحسن على وجه.
__________________
(١). في التبيان : فتوهموا هم.
(٢). سورة الانعام : ٧٦.