قوله (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) الالف ألف استفهام ومعناها الإنكار ، ووجه التوبيخ أنه كيف يصح أن يعبد الإنسان ما يعمله بيده ، فإنهم كانوا الذين ينحرون الأصنام بأيديهم ، فكيف تصح عبادة من هذه حاله ، مضافا الى كونها جمادا.
ثم نبههم فقال (وَاللهُ) تعالى هو الذي (خَلَقَكُمْ) وخلق الذي (تَعْمَلُونَ) فيه من الأصنام ، لأنها أجسام والله تعالى هو المحدث لها ، وليس للمجبر أن يتعلق بقوله (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) فيقول : ذلك يدل على أن الله خالق لأفعالنا لأمور :
أحدها : أن موضوع كلام ابراهيم مبني على التقريع لهم لعبادتهم الأصنام فلو كان ذلك من فعله تعالى لما توجه عليهم العتب ، بل كان لهم أن يقولوا : ولم يوبخنا على عبادتنا للأصنام والله الفاعل لذلك ، وكانت تكون الحجة لهم لا عليهم.
الثاني : أنه قال لهم (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ونحن نعلم أنهم لم يكونوا يعبدون نحتهم الذي هو فعلهم ، وانما كانوا يعبدون الأصنام التي هي الأجسام ، وهي فعل الله بلا شك ، فقال لهم (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) وخلق هذه الأجسام.
ومثله قوله (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (١) ومثله قوله (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) (٢) وعصى موسى لم يكن تلقف إفكهم ، وانما كانت تلقف الأجسام التي هي العصى والحبال.
ومنها أن (ما) في قوله (وَما تَعْمَلُونَ) لا يخلو أن يكون بمعنى «الذي» أو مع ما بعدها بمنزلة المصدر ، فان كانت بمعنى الذي فيعملون صلتها ، ولا بد لها من عائد يعود اليها ، وليس لهم أن يقدروا فيها ضمير الهاء ليصح ما قالوه ، لان لنا أن نقدر ضميرا فيه فيصح ما نقوله.
__________________
(١). سورة الاعراف : ١١٦.
(٢). سورة طه : ٦٩.