ويكون التقدير : وما يعملون فيه. والذي يعملون فيه هي الأجسام وان كانت مصدرية ، فانه يكون تقديره : والله خلقكم وعملكم ، ونفس العمل يعبر به عن المعمول فيه ، بل لا يفهم في العرف الا ذلك ، يقولون : فلان يعمل الخوص وفلان يعمل السروج ، وهذا الباب من عمل النجار ، والخاتم من عمل الصائغ ، ويريدون بذلك كله ما يعملون فيه.
فعلى هذا يكون الأوثان عملا لهم بما يحدثون فيها من النحت والنجر ، على أنه تعالى أضاف العمل اليهم بقوله (وَما تَعْمَلُونَ) فكيف يكون ما هو مضاف اليهم مضافا الى الله تعالى ، وهل يكون ذلك الا متناقضا.
ومنها أن الخلق في أصل اللغة هو التقدير للشيء وترتيبه ، فعلى هذا لا يمتنع أن يقول : ان الله خالق أفعالنا ، بمعنى أنه قدر لها الثواب والعقاب ، فلا تعلق للقوم على حال.
فصل : قوله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) الآيات : ١٠٢ ـ ١١١.
(فَلَمَّا بَلَغَ) مع أبيه (السَّعْيَ) يعني في طاعة الله. قال الحسن سعى للعمل الذي تقوم به الحجة.
وقال مجاهد : بلغ معه السعي معناه أطاق أن يسعى معه ويعينه على أموره وهو قول الفراء. وقال ابن زيد : السعي في العبادة.
(قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) وكان الله تعالى أوحى الى ابراهيم في حال اليقظة وتعبده أن يمضي ما يأمره به في حال نومه من حيث أن منامات الأنبياء لا تكون الا صحيحة ، ولو لم يأمره به في اليقظة لما جاز أن يعمل على المنامات أحب أن يعلم ابنه في صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته ، فلذلك قال له «ما ذا ترى» والا فلا يجوز أن يؤامر في المضي في أمر الله ابنه ، لأنه واجب على كل حال ، ولا يمتنع أن يكون فعل ذلك بأمر الله