أحدها : أن الله أمر ابراهيم أن يقعد منه مقعد الذابح ويشد يديه ورجليه ويأخذ المدية ويتركها على حلقه ، وينتظر الامر بإمضاء الذبح على ما رأى في منامه ، وكل ذلك فعله ولم يكن أمرا بالذبح ، وان سمي مقدمات الذبح بالذبح لقربه منه ، وغلبة الظن أنه سيؤمر بذلك على ضرب من المجاز.
الثاني : أنه أمره بالذبح وذبح وكلما فرى جزء من حلقه وصله الله بلا فصل حتى انتهى الى آخره ، فاتصل به وصل الله تعالى قدر فعل ما أمره به ولم يبن الرأس ولا انتفى الروح.
الثالث : أنه أمر بالذبح بشرط التخلية والتمكين ، فكان كما روي أنه كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجعل على حلقه صفيحة من نحاس.
وهذا الوجه ضعيف ، لان الله تعالى لا يجوز أن يأمر بشرط ، لأنه عالم بالعواقب وانما يأمر الواحد منا بشرط ذلك ، لأنه لا يعلم العواقب ، ولان فيه أنه أمر بما منع وهذا عبث.
وأما شبهة من قال : انه فداه بذبح ، فدل ذلك على أنه كان مأمورا بالذبح على الحقيقة ، اعتراضا على الوجه الاول ، لان من شأن الفداء أن يكون من جنس المفدي.
فليس بشيء ، لأنه لا يلزم ذلك. ألا ترى أن من حلق رأسه وهو محرم يلزمه دم وكذلك إذا لبس ثوبا مخيطا أو شم طيبا أو جامع ، وان لم يكن جميع ذلك من جنس المفدي.
وقوله (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) أي : الإحسان (١) الظاهر. وقيل : هو النعمة الظاهرة ، وتسمى النعمة بلاء والنقمة أيضا بلاء ، من حيث أنها سميت بسببها المؤدي اليها ، كما يقال لاسباب الموت هو الموت بعينه.
__________________
(١). في التبيان : الاختبار.