فصل : قوله (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ. قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ. قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الآيات : ٧٧ ـ ٨٣.
أصل الرجيم المرجوم ، وهو المرمي بالحجر (وَإِنَّ عَلَيْكَ) يا إبليس (لَعْنَتِي) يعني ابعادي لك من رحمتي (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) يعني يوم القيامة الذي هو يوم الجزاء ، فقال إبليس عند ذلك يا (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أى : أخرني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أى : يوم يحشرون للحساب ، وهو يوم القيامة.
فقال له الله تعالى (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) أي : من المؤخرين (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) أي : اليوم الذي قدر الله فيه اماتتك ، فعلى هذا لا يلزم إبليس أن يكون مغرا بالقبائح لعلمه بأنه يبقى ، لأنه لا وقت الا وهو يجوز أن يخترم فيه ولا يقدر على التوبة ، فالزجر حاصل له.
ومن قال : انه اجابه الى يوم القيامة يقول : كما أعلمه أنه يبقيه الى يوم يبعثون أعلمه أيضا أنه من أهل النار لا محالة ، وأنه لا يتوب وصح مع ذلك تكليفه ، لأنه يلزمه بحكم العقل أن لا يفعل القبيح من حيث أنه متى فعله زاد عقابه ، ويضاعف على ما يستحق له ، وتخفيف العقاب عن النفس واجب بحكم العقل ، كما يجب إسقاط العقاب جملة.
ثم حكى تعالى ما قال إبليس ، فانه أقسم و (قالَ فَبِعِزَّتِكَ) يا الهي (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) فالعزة القدرة التي يقهر بها غيره من القادرين.
والإغواء التخييب ، فإبليس يغوي الخلق بأن يزين لهم القبيح ويرغبهم فيه والغي خلاف الرشد وهو الخيبة.