من زعم أنه تعالى يريد بانزاله إضلال الكافرين عن الايمان ، لأنه لو كان كذلك لم يكن منزلا بالحق ، وإذا كان منزلا على أنه حق ، وجب النظر في موجبه ومقتضاه فما رغب فيه وجب العمل به ، وبما حذر منه وجب اجتنابه ، وما صححه وجب تصحيحه ، وما أفسده وجب إفساده ، وما دعى اليه فهو الرشد ، وما صرف عنه فهو الضلال.
ثم قال (فَمَنِ اهْتَدى) يعني بما فيه من الادلة (فَلِنَفْسِهِ) لان منفعة عاقبته من الثواب تعود عليه.
(وَمَنْ ضَلَّ) عنه وجاز (١) (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) يعني على نفسه ، لان وخيم عاقبته من العقاب تعود عليه.
فصل : قوله (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) الآيات : ٥٣ ـ ٥٥.
معناه : قل لهم يا محمد (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بارتكاب المعاصي (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) اي : لا تيأسوا من رحمته ، يقال : قنط يقنط قنوطا إذا يئس (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) انه هو الغفور الرحيم.
وفي ذلك دلالة واضحة على أنه يجوز أن يغفر الله بلا توبة تفضلا منه ، وبشفاعة النبي عليهالسلام ، لأنه لم يشترط التوبة بل أطلقه. وروي عن فاطمة عليهاالسلام أنها قالت ان الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي.
وروي عن علي عليهالسلام وعن ابن عباس أنهما قالا : أرجى آية في كتاب الله قوله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (٢) فقال عبد الله بن عمرو بن العاص بل أرجى آية في كتاب الله قوله (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) وهو المروي
__________________
(١). في التبيان : وحاد.
(٢). سورة الرعد : ٧.