قال السدي (١) : معناه ثم استوى أمره ولطفه الى السماء.
وقال غيره : معنى الاستواء الى السماء العمد والقصد اليها ، كأنه قال : ثم قصد اليها. وأصل الاستواء الاستقامة والقصد للتدبير المستقيم تسوية له.
وقوله (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (٢) معناه : ثم استوى تدبيره بتقديم (٣) القادر عليه. وقيل : ان الاستواء بمعنى الاستيلاء كما قال الشاعر :
ثم استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
وقوله (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) يفيد أنه خلق السماء بعد خلق الأرض وخلق الأقوات فيها ، ولا ينافي ذلك قوله (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) الى قوله (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٤) لان ذلك يفيد أن الأرض كانت مخلوقة غير مدحوة ، فلما خلق الله السماء دحى بعد ذلك الأرض فسطحها.
وقوله (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) انما قال (طائِعِينَ) ولم يقل طائعتين ، لأنه لما أسند اليهما ما يكون من العقلاء أخبر عنهما بالياء والنون.
وقال قطرب : لان المعنى أتينا بمن فينا من العقلاء فغلب حكم العقلاء.
فان قيل : قوله (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) وخلق الجبال والأقوات في أربعة أيام ، وخلق السماوات في يومين يكون ثمانية أيام ، وذلك مناف لقوله (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).
قلنا : لا تنافي بين ذلك ، لأنه خلق الأرض وخلق الجبال والأشجار والأقوات في تمام أربعة أيام منها اليومان المتقدمان ، كما يقول القائل : خرجت من البصرة
__________________
(١). في التبيان : الحسن.
(٢). سورة الاعراف : ٥٣ وغيرها.
(٣). في التبيان : بتقدير.
(٤). سورة النازعات : ٣٠.