لا يمكنهم أن يحيلوا (١) في ذلك على الأجسام والأوثان لظهور فساد ذلك.
وليس في ذلك ما يدل على أنهم كانوا عالمين بالله ضرورة ، لأنه لا يمتنع أن يكونوا عالمين بذلك استدلالا وان دخلت عليهم شبهة في أنه يستحق العبادة سواه.
وقال الجبائي : لا يمتنع أن يقولوا ذلك تقليدا ، لأنهم لو علموه لعلموا أنه لا يجوز أن يعبد معه غيره ، وهو الذي يليق بمذهبنا في الموافاة.
فصل : قوله (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ. وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الآيات : ١٦ ـ ١٨.
أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم جعلوا له من عباده جزءا ، ثم فسر ذلك وهو أنهم قالوا : بل (اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) وفي هذا القول حجة عليهم ، لأنه ليس يحكم من يختار لنفسه أدون المنزلتين ولغيره أعلاهما ، فلو كان على ما يقول المشركون من جواز اتخاذ الولد عليه لم يتخذ لنفسه البنات ويصفيهم بالبنين.
ثم قال (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) يعني إذا ولد لواحد منهم بنت حسب ما أضافوها الى الله ، ونسبوها اليه على وجه المثل لذلك (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) أي : يتغير مما يلحقه من الغم بذلك حتى يسود وجهه ويريد (وَهُوَ كَظِيمٌ).
وفي هذا أيضا حجة عليهم ، لان من اسود وجهه لما يضاف اليه مما لا يرضى فهو أحق أن يسود وجهه بإضافته مثل ذلك الى من هو أجل منه ، فكيف الى ربه.
ثم قال تعالى على وجه الإنكار لقولهم (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) قال ابن عباس أو من ينشأ في الحلية المرأة ، وبه قال مجاهد والسدي.
__________________
(١). في التبيان : يحلفوا.