ثم قال تعالى (وَجَعَلُوا) يعني هؤلاء الكفار (الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ) متذللون له خاضعون (إِناثاً) فقال لهم على وجه الإنكار (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ثم قال (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) بذلك (وَيُسْئَلُونَ) عن صحتها.
وفائدة الاية أن من شهد بما لا يعلم ، فهو حقيق بأن يوبخ ويذم على ذلك وشهادته بما هو متكذب به على الملائكة أعظم من الفاحشة ، للاقدام على تنقصهم في الصفة وان كانوا في ذلك على جهالة.
ثم حكى عنهم أنهم قالوا (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) كما قالت المجبرة بأن الله تعالى أراد كفرهم ، ولو لم يشأ ذلك لما كفروا ، فقال الله لهم على وجه التكذيب (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي : ليس يعلمون صحة ما يقولونه وليس هم الا كاذبين.
ففي ذلك إبطال مذهب المجبرة في أن الله تعالى يريد القبيح من أفعال العباد لان الله تعالى قطع على كذبهم في أن الله يشأ عبادتهم للملائكة ، وذلك قبيح لا محالة ، وعند المجبرة فالله شاء له ، وقد نفاه تعالى عن نفسه وكذبهم في قولهم فيه.
فصل : قوله (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) الاية : ٣١.
حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا : لو كان القرآن حقا هلا نزل (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) يعني بالقريتين مكة والطائف.
ويعنون بالرجل العظيم من أحد القريتين في قول ابن عباس الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي من أهل مكة ، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي.
وقال مجاهد : يعني بالذي من أهل مكة عقبة بن أبي ربيعة ، والذي من أهل الطائف ابن عبد ياليل.