لأنا قد بينا أن هذه الاية التي في التوبة نزلت بتبوك سنة تسع ، وآية سورة الفتح نزلت سنة ست ، فكيف تكون قبلها ، وينبغي لمن تكلم في تأويل القرآن أن يرجع الى التاريخ ، ويراعي أسباب نزول الاية على ما روي ، ولا يقول على الآراء والشهوات.
وتبين أيضا أن هؤلاء المخلفين غير أولئك ، وان لم يرجع الى تاريخ ونقول قوله (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) فلم يقطع فيهم على طاعة ولا معصية ، بل ذكر الوعد والوعيد على ما يتعلق به من طاعة أو معصية ، وحكم المذكورين في سورة التوبة بخلافه ، لأنه تعالى قال بعد قوله (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) الى قوله (وَهُمْ كافِرُونَ) (١).
واختلاف أحكامهم تدل على اختلافهم ، وقد حكينا عن سعيد بن جبير أنه قال : هذه الاية نزلت في هوازن يوم حنين. وقال الضحاك : هم ثقيف.
وأما الوجه الذي يسلم معه أن الداعي غير النبي عليهالسلام ، فهو أن نقول : الداعي أمير المؤمنين عليهالسلام ، لأنه قاتل بعده أهل الجمل وصفين وأهل النهروان ، وبشره النبي عليهالسلام بقتالهم وكانوا أولي بأس شديد.
فان قالوا : من قاتلهم علي عليهالسلام كانوا مسلمين. وفي الاية قال : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) كيف تتناولهم الاية؟
قلنا : أول ما نقوله : انهم غير مسلمين عندنا ولا عند جميع من خالفنا من المعتزلة لان عندهم صاحب الكبيرة ليس بمؤمن ولا مسلم.
وأما مذهبنا في تكفير من قاتل عليا عليهالسلام معروف ، وقد ذكرناه في كتب الامامة لقوله عليهالسلام : حربك يا علي حربي. وغير ذلك من الاخبار والادلة التي ذكرناها في غير
__________________
(١). سورة التوبة : ٨٤ ـ ٨٦.