ثم خاطبهم أيضا فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) وانما قال «كثيرا» لان في جملته ما يجب العمل عليه ولا يجوز مخالفته.
وقوله (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) فالظن الذي يكون اثما هو ما يفعله صاحبه ، وله طريق الى العلم بدلا منه مما يعمل عليه ، فهذا ظن محرم لا يجوز فعله. فأما ما لا سبيل له الى دفعه بالعلم بدلا منه فليس بإثم ، فلذلك كان بعض الظن اثما دون جميعه.
والظن المحمود قد بينه الله ودل عليه في قوله (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) (١) وقيل : يعني للمؤمن (٢) أن يحسن الظن به ، ولا يسيء الظن في شيء يجد له تأويلا جميلا ، وان كان ظاهره القبيح ، ومتى فعل ذلك كان ظنه قبيحا.
وقوله (وَلا تَجَسَّسُوا) أي : لا تتبعوا عثرات المؤمن ، في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة. وقيل : يجب على المؤمن أن يتجنب ذكر المستور عند الناس بقبيح ، لان عليهم أن يكذبوه ويردوا عليه ، وان كان صادقا عند الله ، الا أن الله ستره عند الناس.
وانما دعى الله تعالى المؤمن الى حسن الظن في بعضهم ببعض ، للالفة والتناصر على الحق ، ونهوا عن سوء الظن لما في ذلك من التقاطع والتدابر.
وقوله (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) معناه : ان من دعي الى أكل لحم أخيه فعافته نفسه ، فكرهه من جهة طبعه ، فانه ينبغي إذا دعي الى غيبة (٣) أخيه ، فعافته نفسه من جهة عقله (٤) ، فانه ينبغي أن يكرهه ، لان داعي العقل
__________________
(١). سورة النور : ١٢.
(٢). في التبيان : يلزم المؤمن.
(٣). في التبيان : عيب.
(٤). في التبيان : طبعه.