من طين.
انما كررت هذه الاية في هذه السورة يعني قوله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) لأنه تقدم (١) بالنعمة عند ذكرها على التفصيل نعمة نعمة ، كأنه قال : بأي هذه الآلاء تكذبان.
قوله (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) البرزخ الحاجز بين الشيئين ، ومنه البرزخ الحاجز بين الدنيا والاخرة. وقال قتادة : البرزخ الحاجز أن يبغي الملح على العذب أو العذب على الملح. وقال مجاهد : معنى «لا يبغيان» لا يختلطان.
وقوله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) فاللؤلؤ معروف ، ويقع على الصغار والكبار. والمرجان ضرب من الجوهر ، كالقضبان يخرج من البحر.
وقال ابن عباس : اللؤلؤ كبار الدر ، والمرجان صغاره ، وبه قال الحسن وقتادة والضحاك ، وسمي المرجان بذلك لأنه حب من الجوهر كبير مختلط من مرجت أي خلطت.
وانما جاز أن يقول (يَخْرُجُ مِنْهُمَا) وهو يخرج من الملح دون العذاب ، لان العذب والملح يلتقيان ، فيكون العذب كاللقاح للملح ، كما قال : يخرج الولد من الذكر والأنثى ، وانما تلده الأنثى.
وقال قوم : لا يخرج اللؤلؤ الا من الموضع الذي يلتقى فيه العذب والملح ، وذلك معروف عند الغواصين.
وقوله (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) اخبار من الله تعالى أن جميع من على وجه الأرض من العقلاء يفنون ويخرجون من الوجود الى العدم.
وإذا ثبت ذلك وكانت الجواهر لا تفنى الا بفناء يضادها على الوجود ، فإذا وجد الفناء انتفت الجواهر كلها ، لأنه لا اختصاص لها بجوهر دون جوهر ، فالآية دالة على عدم جميع الأجسام على ما قلناه ، ولأنه إذا ثبت عدم العقلاء بالاية ثبت عدم غيرهم ،
__________________
(١). في التبيان : تقرير.