قد بينا في غير موضع معنى التسبيح ، وأنه التنزيه له عن الصفات التي لا تليق به ، فمن كان من العقلاء عارفا به ، فانه يسبحه لفظا ومعنى. وما ليس بعاقل من سائر الحيوانات (١) والجمادات ، فتسبيحها ما فيها من الادلة الدالة على وحدانيته وعلى الصفات التي باين بها جميع خلقه وما قبلها (٢) من الحجج على انه لا يشبه خلقه ، وأن خلقه لا يشبهه ، فعبر عن ذلك بالتسبيح.
وقوله (هُوَ الْأَوَّلُ) قيل : في معناه قولان :
أحدهما ـ قال البلخي : انه كقول القائل : فلان أول هذا الامر وآخره وظاهره وباطنه ، أي : عليه يدور الامر وبه يتم.
الثاني : قال قوم : هو أول الموجودات لأنه قد سابق لجميع الموجودات وما عداه محدث (٣) ، والقديم يسبق المحدث بما لا يتناهى من تقدير الأوقات ، والاخر بعد فناء كل شيء ، لأنه تعالى يفني الأجسام كلها وما قبلها من الاعراض ويبقى وحده ففي الاية دلالة على فناء الأجسام.
وقوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لما في ذلك من اعتبار الملائكة لظهور شيء بعد شيء من جهته (٤) ، ولما في الاخبار به من المصلحة للمكلفين ، ولو لا ذلك لكان يخلقهما في لحظة واحدة ، لأنه قادر على ذلك من حيث هو قادر لنفسه.
وقوله (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي : استولى عليه بالتدبير ، قال البعيث :
ثم استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
__________________
(١). في التبيان : الحيوان.
(٢). في التبيان : فيها.
(٣). الى هنا انتهى نسخة «ق» وهي نسخة مكتبة الاستان قدس الرضوى عليهالسلام
(٤). في التبيان : جهة.