والثاني : كأنه حائط ممدود على رص البناء ، أي : أحكامه واتصاله واستقامته ، والمرصوص المتلائم الذي لا خلل فيه.
وقوله (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) فالزيغ الذهاب عن الشيء باسراع فيه ، والا ظهر فيه الذهاب عن الحق. والمعنى : انهم لما ذهبوا عن طريق الحق ومالوا الى طريق الباطل أزاغ الله قلوبهم ، بمعنى أنه حكم عليهم بالزيغ والميل عن الحق ولذلك قال (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ومعناه : لا يحكم لهم بالهداية. وقيل : معناه فلما زاغوا عن الايمان أزاغ الله قلوبهم عن الثواب. ولا يجوز أن يكون المراد أزاغ الله قلوبهم عن الايمان ، لان الايمان لا يزيغ أحدا ولا يضله عن الايمان.
وأيضا فانه لا فائدة في الكلام على ما قالوه ، لأنهم إذا زاغوا عن الايمان فقد حصلوا كفارا ، فلا معنى لقوله (أَزاغَ اللهُ).
فصل : قوله (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) الآيات : ٧ ـ ٩.
معناه : لا يحكم بهداية القوم الظالمين الذين هم الكفار.
وقيل : معناه لا يهدي الكفار الى الثواب ، لأنهم كفار ظالمون لنفوسهم (١) بفعل الكفر والمعاصي التي يستحق بها العقاب ، فكل كافر ظالم لأنه أضر بنفسه بفعل معصية استحق بها العقاب من الله تعالى ، وكفره ضرر قبيح.
فصل : قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الآيات : ١٠ ـ ١١.
انما قال (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) مع أن تركه قبيح ومعصية لله ، لان المعنى ذلكم خير لكم من رفعه عنكم ، لان ما أدى الى الثواب خير من رفعه الى نعيم ليس بثواب
__________________
(١). في التبيان : لأنفسهم