فما ذنبنا ان جاش بحر ابن عمكم |
|
وبحرك ساج ما يواري الدعا مصا (١) |
وقوله (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) قيل : انه لما تأخر الوحي عنه خمس عشرة ليلة قال قوم من المشركين : ودع الله محمدا وقلاه ، فأنزل الله تعالى هذه السورة تكذيبا لهم.
ثم عدد تعالى نعمه في دار الدنيا فقال (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) ومعناه تقريره على نعم الله حين مات أبوه وبقي يتيما فآواه ، بأن سخر له عبد المطلب أولا ، ولما مات عبد المطلب آواه الى أبي طالب وسخره للاشفاق عليه والحنين الى حفظه ومراعاته.
وقوله (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) قيل : في معناه أقوال :
أحدها : وجدك لا تعرف الحق فهداك اليه ، بأن نصب لك الادلة وأرشدك اليها حتى عرفت الحق وذلك من نعم الله.
وثانيها : وجدك ضالا عما أنت عليه الآن من النبوة والشريعة فهداك اليهما.
وثالثها : وجدك في قوم ضلال ، أي : فكأنك واحد منهم.
ورابعها : ووجدك مضلولا عنك فهدى الخلق الى الإقرار بنبوتك والاعتراف بصدقك ، فجعل ضالا بمعنى مضلول ، كما قيل : ماء دافق بمعنى مدفوق وسر كاتم بمعنى مكتوم.
وخامسها : أنه لما هاجر الى المدينة ضل في الطريق وضل دليله ، فأرشدهم الله الى الطريق الواضح حتى واصوا ، فإذا قيل : السورة مكية أمكن أن يقال : ان المراد بذلك الاستقبال والاعلام له أنه يكون هذا على وجه البشارة له به ولم يكن ضلالة (٢) معصية ، لأنه ليس ذهابا عما كلف.
__________________
(١). ديوان الأعشى ص ١٠٠.
(٢). في التبيان : فعلا له.