يقول الله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) قال الحسن وقتادة : معناه لم يكونوا منتهين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة.
وقوله (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) القيمة المستمرة في جهة الصواب ، فهو على وزن فعلية ، من قام بالأمر يقوم به إذا أجراه في جهة الاستقامة.
وقوله (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) اخبار من الله تعالى أن هؤلاء الكفار لم يختلفوا في نبوة النبي صلىاللهعليهوآله ، لأنهم كانوا مجتمعين على نبوته بما وجدوه في كتبهم من صفاته ، فلما أتاهم بالبينة الظاهرة والمعجزة القاهرة تفرقوا واختلفوا ، فآمن بعضهم وكفر بعضهم.
وفي ذلك دلالة على بطلان قول من يقول : ان الكفار خلقوا كفارا في بطون أمهاتهم ، لأنه تعالى بين أنهم لم يختلفوا في ذلك قبل مجيء معجزاته وأدلته ، ولا يلزم على ذلك أن يكون مجيء الآيات مفسدة من حيث وقع الفساد عندها ، لأنه ليس حد المفسدة ما يقع عنده الفساد ، بل حدها ما يقع عنده الفساد ولولاه لم يقع من غير أن يكون تمكينا ، وهاهنا المعجزات تمكين فلم تكن مفسدة.
وقوله (حُنَفاءَ) جمع حنيف ، وهو المائل الى الحق ، والحنفية الشريعة المائلة الى الحق.
قوله (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) دليل على فساد مذهب المجبرة في أن الله تعالى خلق الكفار ليكفروا به ، لأنه صرح هاهنا أنه خلقهم ليعبدوه.
وليس في الاية دلالة على أن أفعال الجوارح من الايمان ولا من الدين ، لأنه يجوز أن يكون المراد (وَذلِكَ) اشارة الى التدين ، وتقديره : التدين بذلك فهو دين القيمة ، لان من لا يعتقد جميع ذلك ويؤمن بجميع ما يجب عليه فليس بمسلم وقد تقدم قوله تعالى (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).