عبادتها ، ودعاء الأنبياء لا يكون الا مستجابا ، فعلى هذا يكون سؤاله أن يجنب نبيه عبادة الأصنام ، مخصوصا بمن علم الله من حاله أنه يكون مؤمنا لا يعبد الا الله.
وقوله (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) اخبار من ابراهيم أن هذه الأصنام ضل كثير من الناس بها حتى عبدوها ، فكأنها أضلتهم ، كما يقول القائل : فتنتني فلانة أي : افتتنت بها ، قال الشاعر :
هبوني امرأ منكم أضل بعيره
يعني : ضل بعيره عنه ، لان أحدا لا يضل بعيره عنه قاصدا الى ضلاله.
فصل : قوله (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) الاية : ٣٧.
الوادي سفح الجبل العظيم ، ومن ذلك قيل للأنهار العظام : أودية ، لان حافاتها كالجبال لها ، ومنه الدية لأنه مال عظيم يحمل في أمر عظيم من قتل النفس المحرمة.
والزرع كل نبات ينغرس من غير ساق ، وجمعه زروع «عند بيتك المحرم» معناه : حرم فيه ما أحل في غيره من البيوت من الجماع ، والملابسة بشيء من الدم والنجاسة.
وانما أضاف البيت الى الله لأنه مالكه من غير أن يملكه أحد سواه ، لان ما عداه قد ملك غيره من العباد ، وسماه بيتا قبل أن يبنيه ابراهيم لامرين :
أحدهما : أنه لما كان المعلوم أنه يبنيه ، فسماه بما يكون بيتا.
والثاني : قيل : انه كان البيت قبل ذلك وانما خربته طسم واندرس. وقيل : انه رفع أيام (١) الطوفان الى السماء.
__________________
(١). في التبيان : عند.