الثاني : أنه لا يحكم بهدايتهم لكونهم كفارا. فأما نصب الدلالة فقد هدى الله جميع المكلفين ، كما قال (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (١).
وقيل : انهم لما لم يهتدوا بتلك الادلة فكأنها ما نصبت لهم ونصبت للمؤمنين الذين اهتدوا بها ، فلذلك نفاها عنهم فكأنها لم تكن.
فصل : قوله (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) الاية : ١١٠.
نزلت في المستضعفين المفتنين بمكة عمار وبلال وصهيب ، فإنهم حملوا على الارتداد عن دينهم ، فمنهم من أعطى ذلك تقية ، منهم عمار فانه أظهر ذلك تقية ثم هاجر.
قال الرماني : في الاية دلالة على أنهم فتنوا عن دينهم بمعصية كانت منهم لقوله «ان ربك من بعدها لغفور رحيم» لان المغفرة الصفح عن الخطيئة ، ولو كانوا اعطوا التقية على حقها لم تكن هناك تقية (٢).
هذا الذي ذكره ليس بصحيح ، ولا في الكلام دلالة عليه ، وذلك أن الله تعالى انما قال «ان ربك من بعدها» يعني : بعد الفتنة التي يشق أمرها «لغفور رحيم» أي : ساتر عليهم ، لان ظاهر ما أظهروه يحتمل القبيح والحسن.
فلما كشف الله عن باطن أمورهم وأخبر أنهم كانوا مطمئنين بالايمان كان في ذلك ستر عليهم وازالة للظاهر المحتمل الى الامر الجلي ، وذلك من نعم الله عليهم.
فصل : قوله (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) الاية : ١١٢.
انما سماه لباس الجوع لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوب اللون وسوء
__________________
(١). سورة فصلت : ١٧.
(٢). في التبيان : خطيئة.