به هو الفسق وان وقع بعده الفسق ، بل لا يمتنع أن يكون التقدير : وإذا أردنا أن نهلك أهل قرية أمرناهم بالطاعة ففسقوا فيها فحق عليها القول ، وجرى ذلك مجرى قولهم أمرته فعصى ، والمراد أمرته بالطاعة فعصى.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا ، ومثله أمرتك فعصيتني.
ومن قرأ (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) بتشديد الميم بمعنى أكثرنا ، من قولهم سكة مأبورة ومهرة مأمورة ، أي : كثيرة النتاج ، فالمعنى أي : أكثرنا عددهم أو مالهم ففسقوا ، فقد سلم من الاعتراض.
فصل : قوله (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) الاية : ٢٣.
في (أُفٍّ) سبع لغات : روي عن الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عليهمالسلام أنه قال : لو علم الله لفظة أو جز في ترك عقوق الوالدين من أف لاتى بها.
فان قيل : هل أباح الله أن يقال لهما أف قبل أن يبلغا الكبر؟
قلنا : لا ، لان الله أوجب على الولد طاعة الوالدين على كل حال وحظر عليه أذاهما.
وانما خص الكبر ، لان وقت كبر الوالدين مما يضطر فيه الوالدين الى الخدمة إذا كانا محتاجين عند الكبر ، وفي المثل يقال : «فلان أبر من النسر» لان النسر إذا كبر ولم ينهض للطيران جاء الفرخ فزقه كما كان أبواه يزقانه ، ومثله قوله (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) (١).
والوجه في قوله «وكهلا» مع أن الناس يتكلمون كلهم حال الكهولية أن الله تعالى أخبر أن عيسى يكلم في المهد أعجوبة ، وأخبر أنه يعيش حتى يكتهل ويتكلم
__________________
(١). سورة آل عمران : ٤٦.