الثالث : ان موسى استعلم من جهته ذلك العلم فقط ، وان كان عنده علم ما سوى ذلك.
فصل : قوله (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها) الاية : ٧١.
قال أبو عمرو : الزاكية التي لم تذنب قط ، والزكية التي أذنبت وتابت. أخبر الله تعالى عن موسى وصاحبه الذي تبعه ليتعلم منه ، فخرق صاحبه السفينة ، أي : شق فيها شقا ، لما أعلمه الله من المصلحة في ذلك.
فقال له موسى منكرا لذلك على ظاهر الحال : «أخرقتها لتغرق أهلها» أي : غرضك بذلك أن تغرق أهلها الذين ركبوها. ويحتمل أن يكون قال ذلك مستفهما.
والاول أقوى ، لقوله بعد ذلك (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) والامر المنكر ، في قول مجاهد وقتادة. وقال أبو عبيدة : داهية عظيمة وأنشد :
لقد لقي الاقران منه نكرا |
|
داهية دهياء ادا امرا (١) |
فقال له : يا موسى (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ) فيما قبل (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) أي لا يخف عليك ما تشاهده من أفعالي ويثقل عليك ، لأنك لا تعرف المصلحة فيه.
ولم يرد بالاستطاعة القدرة ، لان موسى كان قادرا في حال ما خاطبه بذلك ولم يكن عاجزا ، وهذا كما يقول الواحد منا لغيره : أنا لا أستطيع النظر اليك ، وانما يريد أنه يثقل علي ، دون نفي القدرة في ذلك.
فقال له موسى في الجواب عن ذلك (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) وروي أنه قال ذلك لما رأى أن الماء ليس يدخل السفينة مع خرقها ، علم أن ذلك لمصلحة يريده الله ، قال (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ).
وقيل : في معنى (نَسِيتُ) ثلاثة أقوال :
__________________
(١). مجاز القرآن : ١ / ٤٠٩.