فصل : قوله (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) الاية : ١٧.
قال الحسن وقتادة والسدي وابن جريح ووهب بن منبه : يعني جبرئيل عليهالسلام وسماه الله روحا لأنه روحاني لا يشوبه (١) شيء من غير الروح ، وخص بهذه الصفة تشريفا له.
وقيل : لأنه تحيا به الأرواح بما يؤديه اليهم من أمر الأديان والشرائع.
فان قيل : كيف تعوذت منه ان كان تقيا؟ والتقي لا يحتاج أن يتعوذ منه ، وانما يتعوذ من غير التقي؟.
قيل : المعنى في ذلك أن التقي للرحمن إذا تعوذ بالرحمن منه ارتدع عما يسخط الله ، ففي ذلك تخويف وترهيب ، كما يقول القائل : ان كنت مؤمنا فلا تظلمني وتكون هي غير عالمة بأنه تقي أم لا.
فقالت مريم عند ذلك متعجبة من قول جبرئيل «أنى يكون لي غلام» أي : كيف يكون ذلك.
«ولم يمسسني بشر» بالجماع على وجه الزوجية.
«ولم أك بغيا» أي : لم أك زانية ، في قول السدي وغيره ، وهي التي تطلب الزنا ، لان معنى تبغيه تطلبه.
وأصله لم أكن ، لأنه من كان يكون. وانما حذفت النون لاستخفافها على ألسنتهم ولكثرة استعمالهم لها ، كما حذفوا الالف من لم أبل ، وأصله لم أبالي ، لأنه من المبالاة ، وكقولهم «لا أدر» وكقولهم «أيش» وأصله أي شيء ومثله كثير.
فصل : قوله (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) الاية : ٢٣.
قالت هذا استحياء من الناس «وكنت نسيا منسيا» فالنسيء المتروك حتى ينسى بالفتح والكسر.
وقيل : النسيء خرقة الحيض التي تلقيها ، قال الشاعر :
__________________
(١). في التبيان : لا يشبه.