وظهر أيضا ممّا ذكرنا أنّه ليس هناك جامع بين الوجوب والاستحباب يكون هو معنى الأمر ، لما عرفت من أنّ استعمال لفظ الأمر في الطلب الوجوبيّ بعينه هو استعماله في الطلب الاستحبابي ، فقوله عليهالسلام : «اغتسل للجنابة والجمعة» استعمال واحد في معنى فارد ، وهو إظهار ميل المولى بغسل الجنابة والجمعة ، ولو لا دليل خارجي على استحباب غسل الجمعة والترخيص في تركه ، لحكم بمقتضى حكم العقل بالوجوب في كليهما.
__________________
ـ المولى ، وبدونه يحكم العقل بعدم العقاب.
وأيضا كيف فكّكوا بين بيان جواز الترك وبيان عدم جوازه بأنّ الأوّل من وظائف الشرع دون العقل ، بخلاف الثاني.
وأيضا يرد عليهم : أنّ الأخذ بالقدر المتيقّن عند كون الدليل لبّيّا وإجزاء البراءة بالنسبة إلى المشكوك وجوبه مع إحراز الرجحان ينافي ذلك.
وأيضا يرد عليهم ما يغيّر قواعد الأصول في باب العام والخاصّ والمقيّد والمطلق.
وذلك إذا ورد «أكرم الفقهاء» فليس فيه وجوب ولا استحباب عند هذا القائل ، بل كلّ منهما يستفاد من حكم العقل ، وإذا ورد «لا بأس بأن لا تكرم العلماء وإكرامهم أحبّ إليّ» فهذا عام وسابقه خاص إذا قلنا باستفادة الوجوب من الأمر واللفظ الصادر من المولى ، فالجمع العرفي يقتضي أن نقول : إكرام العالم الفقيه واجب وغير الفقيه جائز ، حيث يحمل العامّ على الخاصّ.
وأمّا إذا قلنا بالوجوب العقلي فبعد ورود : «لا بأس بأن لا تكرم العلماء» يحكم العقل بعدم لزوم إكرام أيّ عالم حتى الفقيه ، فيرتفع التنافي الابتدائي بين العامّ والخاصّ ، فلا وجه لحمل العامّ على الخاصّ ، لعدم التنافي.
وبعبارة أخرى : لازم هذا القول هو حمل العامّ على الخاصّ والمطلق على المقيّد في الجملة لا بالجملة. (م).