الجهة الثانية : أنّه هل في النّفس أمر غير مقدّمات الإرادة من التصوّر والتصديق بالفائدة والميل والعزم ونفس الإرادة أم لا؟
فنقول : إنّا إذا راجعنا إلى وجداننا نجد أنّ حركة العضلات لا تترتّب على الإرادة ، بل هناك أمر آخر قائم بالنفس قيام الفعل بفاعله (١) وهو إعمال النّفس قدرتها بأيّ اسم شئت سمّيته بالاختيار أو المشيئة أو الطلب.
والحاصل : أنّ المترتّب عليه حركة العضلات هو إعمال النّفس قدرتها بعد ما اشتاقت إلى الفعل وإرادته ، لا الإرادة بمعنى الشوق المؤكّد ، إذ كثيرا ما تشتاق النّفس إلى شيء اشتياقا لا يتصوّر فوقه شيء ، ومع ذلك لا تفعله ولا توجده في الخارج لمانع يكون في البين. ولا يخفى أنّه لا يكون كلاما نفسيّا مدلولا للكلام اللفظي ، ولا يقول به الأشاعرة أيضا.
الجهة الثالثة : هل في النّفس أمر نسبته إلى النّفس نسبة العرض إلى معروضه غير الإرادة والكراهة والحبّ والبغض وغير
__________________
(١) أقول : الظاهر أنّ المراد بالإرادة هو هذه الحالة ، ولذا يعدّونها ممّا يترتّب عليها تحريك العضلات ، ويعبّرون عنها بحملة النّفس تارة ، وبالحالة الإجماعية الحاصلة للنفس أخرى ، وأمّا الشوق المؤكّد فهو من مقدّمات الإرادة ، وأمّا الاختيار فهو عبارة عن عزم النّفس على أحد طرفي الفعل والترك وترجيحها إيّاه على الآخر بعد الشوق إليه.
والحاصل : أنّ الحاصل في النّفس أوّلا هو التصوّر ثم التصديق بالفائدة ثم الميل ثم الشوق المؤكّد ثم ملاحظة عدم وجود المانع عنه وتهيّؤ وسائل وجوده ثم العزم على إيجاده واختيار وجوده على عدمه المعبّر عنه بالاختيار ثم الإرادة المعبّر عنها بحملة النّفس والحالة الإجماعية وإعمال القدرة. (م).