فالفعل له جهتان بكلّ جهة منتسب إلى شخص حقيقة ، فمن حيث إنّه يصدر من العبد عن اختيار منتسب إليه حقيقة ، ومن حيث إنّ إفاضة القدرة والاختيار والوجود منه تبارك وتعالى منتسب إليه حقيقة ، وهو معنى الأمر بين الأمرين الّذي يتحفّظ به العدل والسلطنة كلاهما للباري تعالى ، وهو مذهب الفرقة المحقّة الإمامية.
ثمّ إنّه لمّا كانت قدرة العبد بالنسبة إلى الفعل والترك على حدّ سواء وإنّما المرجّح لأحدهما هو الشوق النفسانيّ الّذي هو الإرادة ، فلا بأس بصرف عنان الكلام ـ وإن كان خارجا عن المرام لكنه لا يخلو عن مناسبة للمقام ـ إلى مجمل القول في الترجيح بلا مرجّح والترجّح بلا مرجّح.
فنقول : أمّا الترجّح بلا مرجّح فمحال بالبداهة ، ضرورة أنّ الموجود بلا موجد والمعلول بلا علّة مستحيل قطعا ، والترجّح بلا مرجّح ليس إلّا الوجود بلا موجد ، وهو ينافي الإمكان الّذي هو بالنسبة إلى الوجود والعدم ككفّتي الميزان ، فلا بدّ في ترجّح أحد الجانبين على الآخر من مرجّح في البين بلا شبهة ولا ريب.
وأمّا الترجيح بلا مرجّح فليس بمحال لا في التكوينيّات ولا في التشريعيّات ، وإنّما هو قبيح لا يصدر من العاقل الحكيم إن كان هناك مرجّح أو جامع ، إذ العاقل لا يختار المرجوح على الراجح مع تساوي القدرة وعدم تفاوتها بالنسبة إليهما ، والمولى الحكيم