فإنّ مقتضى ما بيّنّا من أنّها وضعت للتقيّدات والتخصّصات النّفس الأمريّة : أنّ الموضوع له في الحروف ليس كالوضع فيها عامّا ، بل الوضع عامّ حيث لا يمكن تصوّر ما لا يتناهى من التقيّدات إلّا بتصوّر مفهوم عامّ ، فيتصوّر الواضع مثلا مفهوم التقيّد من حيث الظرفيّة ، الّذي له جزئيّات النّفس الأمريّة ، لا نفس هذه الجزئيّات ، والموضوع له فيها خاصّ ، ضرورة أنّ الصلاة في قولنا : «الصلاة في المسجد» مثلا لم تتقيّد بمفهوم التقيّد من حيث الظرفية ، بل بواقعه.
وبعبارة أخرى : الغرض من هذه الجملة أنّ الصلاة المتقيّدة بوقوعها في المسجد تقيّدا واقعيّا مستحبّة ، لا المتقيّدة بمفهوم هذا التقيّد.
والحاصل : أنّ الحروف وضعت لذوات هذه التقيّدات لا مفاهيمها ، وعلى ذلك يكون الموضوع له فيها خاصّا.
ثمّ إنّ الاسم عرّف في الرواية المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليهالسلام (١) ب «ما أنبأ عن المسمّى» وعرّف الفعل ب «ما أنبأ عن حركة المسمّى» والحرف ب «ما أوجد معنى في غيره».
والمراد من الإنباء عن المسمّى : الحكاية والكشف عنه.
وقد ظهر ممّا ذكر في المعاني الحرفيّة معنى إيجاد المعنى في غيره ، وأنّه عبارة عن إيجاد خصوصيّة من التضييق أو غيره في
__________________
(١) البحار : ٤٠ ـ ١٦٢.