بقي شيء ، وهو : أنّهم ذكروا أنّ الجملة الخبريّة إذا استعملت في مقام الإنشاء كما إذا قيل : «يعيد صلاته» في مقام طلب الإعادة مدلولها بعينه هو مدلولها إذا استعملت في مقام الإخبار ، وإنّما الاختلاف في الدواعي ، فإذا استعملت في مقام الطلب وبداعيه تكون إنشاء ، وإذا استعملت بداعي الإخبار تكون إخبارا ، والمستعمل فيه على كلّ تقدير شيء واحد ، والمدلول في كلتيهما أمر فارد.
وهذا الّذي ذكروه مبنيّ على ما هو المعروف من أنّ الجمل الإنشائيّة موضوعة لإيجاد معانيها بها ، وأمّا على ما اخترناه من أنّ الإنشاء ليس من مقولة الإيجاد في شيء ، وإنّما الجمل الإنشائيّة (١) كالجمل الإخباريّة في أنّها وضعت لإبراز أمر نفساني بها ـ والفرق : أنّ ذلك الأمر النفسانيّ في الجمل الإخباريّة حيث إنّه قصد الحكاية عمّا في الخارج ، فله واقع وراء نفسه ربّما يطابقه وربما لا يطابقه ، وبهذا الاعتبار يتّصف بالصدق والكذب ، وفي الجمل الإنشائية شيء ليس له واقع وراء نفسه ، فلا يقبل الاتّصاف بالصدق والكذب ـ فاختلافهما في المدلول واضح ، فإنّ المدلول في إحداهما قصد الحكاية ، وفي الأخرى أمر آخر.
__________________
(١) ظاهر كلام سيدنا الأستاذ وغيره : هو الاشتراك اللفظي في مثل «بعت» بين الإنشاء والإخبار ، وكلّ مشترك لفظي يحتاج إلى قرينة معيّنة ، ولازم ذلك أنّ كلّا من الإنشاء والإخبار يحتاج إلى قرينة معيّنة ، والأمر فيما نحن فيه ليس كذلك ، فإنّ مثل «بعت» عند إرادة الإنشاء يحتاج إلى القرينة ، وعند إرادة الإخبار لا يحتاج إليها (م).