ثمّ إنّ في الشريعة المقدّسة فروعا متّفقا عليها لا يمكن تصحيحها إلّا على الترتّب ، نظير ما إذا كان أحد في السفر وانتهى إلى بلدة يحرم إقامته فيها أو يجب السفر عنها عليه فعصى وقصد الإقامة ، فلا شبهة ولا خلاف بين الأصحاب : أنّ وظيفته التمام ، وهذا الحكم ممّا لا يصحّ إلّا بالترتّب ، لأنّ وجوب الصلاة [تماما] يزاحم الأمر بالسفر ووجوبه أو حرمة الإقامة ، فلا يمكن الحكم بوجوب إتمام إلّا على صحّة الترتّب ، وأنّ موضوع الأمر بالتمام هو العاصي للأمر بالسفر أو النهي عن الإقامة. ونظير هذا كثير في الفقه.
بقي التنبيه على أمرين :
الأوّل : أنّ الترتّب إنّما يجري في الواجبين اللذين أخذت القدرة فيهما بحكم العقل ، نظير الصلاة والإزالة ، فإنّ القدرة فيهما ليست شرعيّة بل عقليّة ، لا فيما أخذت القدرة في موضوعهما شرعا وقيّد بها في لسان الشرع ، كما في باب الوضوء والتيمّم في قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(١) وذلك لأنّ المكلّف قسّم بالواجد والفاقد ، وحكم بوجوب الوضوء على الواجد والتيمّم على الفاقد. فلا يصحّ الوضوء من الفاقد ، لا من جهة الملاك ، لأنّ التقييد بالوجدان كاشف عن عدم الملاك عند الفقدان ، وأنّ الوضوء حكم لواجد الماء لا لفاقده ، ولا من جهة الترتّب ، لأنّ موضوع الوضوء هو الواجد شرعا وموضوع التيمّم هو الفاقد ، سواء كان تكوينا أو شرعا ، كما إذا كان الماء موجودا ولكن يتوقّف حفظ نفس محترمة على شرب هذا الماء الموجود ، فحينئذ يكون المكلّف فاقدا للماء شرعا ، فإذا عصى ولم يحفظ النّفس المحترمة بإعطاء هذا الماء إيّاها ، فلم يخرج عن عنوان الفاقد ،
__________________
(١) المائدة : ٦.