فصل :
في حقيقة الواجب الكفائيّ.
الوجوب الكفائيّ : سنخ وجوب يسقط عن جميع المكلّفين بفعل بعضهم ، ويجب على جميعهم ما لم يأت به أحد في الخارج ، فلو تركه كلّهم فالجميع معاقبون ولو فعل الجميع فكلّهم مأجورون.
وهذا كلّه ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الإشكال في تصويره وبيان أنّه من المكلّف والمخاطب بالخطاب مع أنّه ليس في البين إلّا غرض واحد يحصل بفعل أحد المكلّفين؟
فربما يقال : إنّ حقيقة الواجب الكفائيّ ترجع إلى واجبات مشروطة ، فيجب على كلّ مكلّف الصلاة على الميّت إذا ترك سائر المكلّفين ، فهي واجبة على كلّ مكلّف مشروطة بعدم إتيان غيره من سائر المكلّفين ، سواء كان الترك عن عمد وعصيان أو عن جهل أو نسيان.
وأورد عليه : بأنّه بعد ما كان الإيجاب تابعا للمصلحة على مسلك العدليّة وليس هناك إلّا غرض واحد لا أغراض متعدّدة ، وإلّا لكان الواجب عينيّا ، فلا يمكن أن يكون هناك وجوبان ولو مشروطان ، إذ ليس له إلّا علّة واحدة ومصلحة واحدة.
ودفع الإشكال بأنّه لو كان بهذا المقدار ، فهو سهل ، إذ حقيقة الواجبين المشروطين راجعة إلى واجب واحد على كلّ تقدير لا طلب الشيئين ، حيث إنّه من قبيل الترتّب من الطرفين ، وقد عرفت أنّه ليس فيه طلب الجمع أصلا ،