وبهذا ظهر أنّ المراد من عدم عصيان الله تبارك وتعالى أيضا هو العصيان الوضعيّ لا التكليفيّ ، إذ تزويج العبد نفسه غير ممنوع شرعا ، وليس ممّا لم يأذن به الله ، وليس كالتزويج بذات البعل ، فلا مانع عنه من قبله تعالى بشرائطه التي أحدها إذن المولى ، فهذه الأخبار كالصريحة في أنّ المراد منها أنّ العبد تزويجه ممّا لم يأذن به سيّده ، لا ممّا لم يأذن به الله تعالى ، فهي أجنبيّة عن المقام.
ومن هنا ظهر أنّ الاستدلال بها على الصحّة ـ بتقريب أنّ معصية العبد لمولاه معصية له تبارك وتعالى يقينا ومع ذلك حكم بصحّة نكاحه ـ لا وجه له ، لما عرفت من أنّ المراد بالمعصية في كلتا الفقرتين هو المعصية الوضعيّة لا التكليفيّة.
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ النهي المولوي في المعاملات مطلقا بأقسامه الثلاثة لا يقتضي الفساد أصلا.
نعم ، لو كان النهي للإرشاد كما هو ظاهر النواهي المتعلّقة بالمعاملات ، أو تعلّق النهي بما لا تكون المعاملة معه محكومة بالصحّة كأكل الثمن في بيع أو بيع شيء ، كأن يقول : «ثمن العذرة سحت» فدلالته على الفساد ممّا لا شبهة فيه ، إذ يدلّ النهي بالمطابقة في الأوّل وبالالتزام في الثاني على أنّ من شرائط اعتبار الشارع للمعاملة وإمضائه أن لا يكون غرريّا مثلا ، ولا يكون مبيعه كلبا أو خنزيرا أو عذرة وهكذا.
تذنيب : حكي عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحّة (١) ،
__________________
(١) كما في : المحصول في علم الأصول ١ : ٣٥٠ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٤١١ ، وروضة الناظر ٢ : ٦٥٣ ، وسلاسل الذهب ـ للزركشي ـ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، وكفاية الأصول : ٢٢٧.