الثاني (١) : التمسّك بإطلاق الشرط ، وله تقريبان :
أحدهما : أنّ إطلاق (٢) الشرط يقتضي أن يؤثّر في الجزاء سواء سبقه أو قارنه شرط آخر أم لا ، فالانحصار مستفاد من إطلاق الشرط ، إذ لو لم ينحصر بل كان هناك شرط آخر سابق عليه ، لكان هو المؤثّر ، أو مقارن له ، لكان المؤثّر هما معا ، لا هو وحده ، فإذا أثبتنا أنّ الشرط يؤثّر مطلقا ، فيثبت الانحصار.
وفيه : أوّلا : ما مرّ من أنّه بين الموضوعات والأحكام الشرعيّة ليس تأثير وتأثّر أصلا.
وثانيا : أنّ الجمل الشرطيّة متكفّلة لبيان ثبوت الملازمة بين الجزاء والشرط ، وأنّ الجزاء مترتّب على الشرط.
وبعبارة أخرى : يستفاد منها ـ مضافا إلى الملازمة ـ شأنيّة الشرط للتأثير ، وأمّا فعليّة التأثير فلا ، بل هو أمر آخر قد يتّفق كون المولى في مقام بيانه ، ومع إحراز ذلك لا ينكر الدلالة عليه إلّا أنّه من المعلوم ندرة تحقّقه ، وعلى تقدير عدم الندرة واتّفاقه كثيرا لا ينفع القائل بالمفهوم ، لأنّه ليس دائميّا.
__________________
(١) أي الثاني من الوجهين اللذين يتمسّك بهما لإثبات العلّيّة المنحصرة.
(٢) أقول : يمكن تقريبه بالنسبة إلى الأحكام بوجه لا يرد عليه إشكال ، وهو : أنّ المولى حيث علّق الحكم على هذا الشرط وقيّده به فقط دون قيد وشرط آخر سابق أو مقارن أو لاحق له ، وكان في مقام البيان ، وكان يمكنه البيان ولم يبيّن ، فيستكشف من ذلك أنّه معلّق على هذا الشرط فقط ومقيّد به فقط ، سبقه أو قارنه أو لحقه شيء أم لا ، مثلا : للمولى أن يقيّد الحكم بعقود بعضها متقدّم وبعضها متأخّر وبعضها مقارن لبعض آخر بأن يقول : «إذا جاءك زيد وأكرمك قبل مجيئه أو حين مجيئه أو بعد مجيئه فأكرمه أو لم يجئك عمرو قبل مجيئه أو بعده أو حينه» فإذا أطلق ولم يبيّن شيئا من هذه القيود ، يعلم منه عدم دخل غير المذكور في الحكم ، فهذا الإطلاق في قوّة أن يقول : «إن جاءك زيد فأكرمه سواء جاءك شخص آخر قبل مجيء زيد أو حين مجيئه أو بعد مجيئه وأكرمك أم لا» وهذا نظير التمسّك بالإطلاق لإثبات النفسيّة والتعيينيّة. (م).