فصل :
في مفهوم الاستثناء.
والكلام في مقامين :
الأوّل : [في] أنّه هل يدلّ على انتفاء الحكم الثابت للمستثنى منه عن المستثنى أم لا؟
والحقّ دلالته على ذلك فيما إذا استعملت أداة الاستثناء استثناء ، لا فيما إذا استعملت صفة ، فإنّه حينئذ داخل في مفهوم الوصف الّذي أنكرناه ، وذلك لتبادره عرفا ، فإنّهم لا يفهمون من مثل «جاءني القوم إلّا زيدا» إلّا إثبات المجيء لمن عدا «زيد» من القوم ونفيه عن «زيد» وهكذا في «ما جاءني القوم إلّا زيد» لا يفهمون إلّا نفي المجيء عمّن عدا «زيد» وإثباته ل «زيد».
وأنكره أبو حنيفة (١) ، مستدلّا بأنّ مثل «لا صلاة إلّا بطهور» و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» ونحوهما ممّا لا يمكن الالتزام بانتفاء الحكم الثابت للمستثنى منه عن المستثنى ، إذ لازمه تحقّق الصلاة ووجودها بوجود الطهارة أو فاتحة الكتاب سواء وجد سائر الشرائط والأجزاء أم لا ، مع أنّ هذا الاستعمال ليس استعمالا عنائيّا ، بل هو كما في سائر الجمل الاستثنائيّة ، بلا تفاوت في البين أصلا.
وفساد هذا الاستدلال أوضح من أن يخفى ، ضرورة أنّ المستثنى منه
__________________
(١) شرح مختصر الأصول ـ للعضدي ـ : ٢٦٤ و ٢٦٥ ، وكما في مطارح الأنظار : ١٨٧ ، وكفاية الأصول : ٢٤٧.