ليس هو الشرط في «لا صلاة إلّا بطهور» ولا الجزء في «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» حتّى يلزم ما ذكر من أنّ لازم ثبوت المفهوم في الأوّل تحقّق الصلاة بوجود الطهارة فقط ولو لم تكن سائر شرائط الصلاة ، ولازمه في الثاني تحقّق الصلاة بقراءة فاتحة الكتاب سواء وجد سائر الأجزاء والشرائط أم لا ، وهكذا المستثنى ليس هو الجارّ والمجرور حسب ، بل المستثنى منه هو طبيعيّ الصلاة ، والمستثنى هو الحصّة الخاصّة من هذه الطبيعة ، فيكون معنى «لا صلاة إلّا بطهور» أنّه لا يتحقّق طبيعيّ الصلاة في الخارج إلّا الحصّة التي تكون مقارنة مع الطهارة منه. وبعبارة أخرى : لا صلاة إلّا صلاة تكون مع الطهارة أو فاتحة الكتاب. وهذا واضح لمن راجع أمثال هذه التراكيب ، كما في «لا رجل إلّا في الدار» و «لا علم إلّا مع العمل» و «لا محنة إلّا في الدنيا» و «لا راحة إلّا في الأخرى» فإنّ المستثنى في جميع هذه الأمثلة هو الحصّة الخاصّة من المستثنى منه ، وهل يتوهّم عاقل أنّ المستثنى في «لا أشرب إلّا من الكأس» هو الكأس ، وفي «لا آكل إلّا مع زيد» هو زيد؟ فلا بدّ في أمثال هذه التراكيب أن نرى أنّ المستثنى والمستثنى منه أيّ شيء هو أوّلا ثمّ نحكم بانتفاء ما ثبت للمستثنى منه عن المستثنى ، وكأنّ أبا حنيفة اشتبه عليه الأمر ولم يفهم ذلك.
ثمّ اعلم أنّ الاستعمال في هذه التراكيب حقيقيّ لا عناية فيه أصلا ، فما يظهر من صاحب الكفاية في جوابه الثاني عن هذا الاستدلال ـ من أنّ الاستعمال عنائيّ (١) ـ لا وجه له.
المقام الثاني : في أنّه هل تكون دلالة الاستثناء على انتفاء الحكم أو ثبوته لما بعده بالمفهوم أو بالمنطوق؟
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٤٨.