فصل
هل الخطابات الشفاهيّة ، مثل : «يا أيّها المؤمنون» تختصّ بالحاضر مجلس التخاطب ، أو تعمّ غيره من الغائبين بل المعدومين؟ فيه خلاف. والكلام يقع في جهات ثلاث :
الأولى : في صحّة تعلّق التكليف بالمعدومين وعدمها.
ولا ريب [في] أنّ التكليف بمعنى البعث الفعلي والزجر الفعلي يستحيل تعلّقه بالمعدومين حتى على القول بإمكان الواجب التعليقي ، ضرورة أنّ التكليف لا بدّ له من موضوع ومكلّف يتوجّه إليه التكليف بحيث يتمكّن من الامتثال ولو فيما بعد ، ولا يعقل تكليف المعدوم فعلا بفعل ولو على تقدير وجوده ومعلّقا عليه ، ولا يقاس ذلك بالواجب التعليقي ، فإنّ المكلّف هناك موجود ، فلا مانع من تكليفه بالفعل بشيء معلّقا على زمان متأخّر ، بخلاف المقام.
نعم ، جعل الحكم على المعدومين فضلا عن الغائبين بنحو القضايا الحقيقية ـ سواء كان بأداة الخطاب أو بغيرها ـ بمكان من الإمكان ، كما في قوله تعالى : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) فإنّه تعالى جعل وجوب الحجّ بنحو القضيّة الحقيقيّة على عامّة المستطيعين ، وذلك من جهة أنّ القضيّة الحقيقية إنّما هي متكفّلة لبيان الحكم وإثباته على الموضوعات المقدّر وجودها ، بل شأنها إثبات الملازمة بين الحكم والموضوع على فرض
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.