وهكذا من الواضح أنّه لا معارضة بين سنديهما أيضا ، بل المعارضة إنّما تكون بين سند الخبر ودلالة الكتاب ، فحينئذ إذا ثبت التعبّد بصدوره وصار بمقتضى أدلّة حجّيّته بمنزلة ما إذا سمعناه من الإمام عليهالسلام ، ولم يبق مجال للتوقّف في صدوره ، فلا محالة يكون مخصّصا للكتاب وناظرا إليه وقرينة على التصرّف فيه ومقدّما عليه إمّا من جهة الحكومة أو الورود على الكلام ، كتقدّم الأصول اللفظية على الأصول العملية ، ولا يمكن بعد ذلك الأخذ بظهور الكتاب ، فإنّه لا يكون متعرّضا للخاصّ وناظرا إليه ، والبيان الّذي يجري في تقدّم الأصول اللفظيّة على الأصول العمليّة بعينه يجري في المقام وإن لم يكن من ذاك الباب ، فإنّه يقال : إنّ رفع اليد عن العموم من جهة كون الخاصّ قرينة عليه وناظرا إليه ومتعرّضا لحاله لا إشكال فيه.
وأمّا رفع اليد عن الخبر بواسطة الكتاب ـ حيث لم يكن الكتاب كذلك ـ إمّا يكون بلا موجب وبلا جهة ، وإمّا يكون دوريّا لو كان من جهة دلالة الكتاب على العموم.
وذلك لأنّ دلالة الكتاب على العموم متوقّفة على عدم حجّيّة الخبر الواحد ، ضرورة أنّه لو كان حجّة ، لم يكن العامّ الكتابيّ باقيا على عمومه ، وعدم حجّيّة الخاصّ الخبريّ متوقّف على دلالة العامّ الكتابي على العموم ، وهذا دور واضح.
بقي الكلام في الشبهات التي أوردت في المقام ، وهي ثلاث :
الأولى : أنّه لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، لجاز نسخه به أيضا ، لأنّ النسخ أيضا نوع من التخصيص ، غاية الأمر أنّه تخصيص في الأزمان ، كما أنّ التخصيص المصطلح تخصيص في الأفراد ، والتالي باطل