لو كان مصلحة في ذلك أو مفسدة في عدمه أشدّ وآكد منه ، وإلّا يلزم الإشكال في أصل التشريع ، وأنّه لم جاء الشارع بالأحكام تدريجيّا مع أنّ عدم بيان بعضها في زمان موجب لإلقاء المكلّف في المفاسد؟
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لا بدّ من الحكم بالتخصيص في جميع الصور الخمس ، وبعد ذلك لا مجال للتكلّم في صور الشكّ.
بقي أمران :
الأوّل : أنّ حقيقة النسخ بالنسبة إلى غير العالم بالغيب هو الرفع ، مثلا : يرى مصلحة في فعل فيأمر به في زمان ثمّ يبدو ويظهر له أنّه ذو مفسدة وأخطأ فينسخه ويرفع ما أثبت.
وأمّا بالنسبة إلى العالم بالغيب ـ كالباري تعالى ـ هو الدفع لا الرفع ، مثلا : يأمر بفعل ويظهر دوامه واستمراره لمصلحة في إظهار الدوام والاستمرار مع أنّه في الواقع لا يريده إلّا في زمان معيّن خاصّ ثمّ ينسخه.
ثمّ إنّه لا إشكال في جواز النسخ قبل حضور وقت العمل وبعده لغير العالم بالغيب ، وأمّا العالم بالغيب الآمر بداعي الجدّ فلا يجوز له النسخ قبل حضور وقت العمل ، سواء قلنا بأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الكائنة في متعلّقاتها ، أو قلنا بأنّها تابعة للمصالح في جعلها ، وذلك لأنّ الفعل إن كان فيه أو في الأمر به مصلحة ، فكيف ينهى عنه!؟ وإن لم يكن فيه أو في الأمر به مصلحة ، فكيف يأمر به!؟
والحاصل : أنّه لو كان بعث المولى بداعي الجدّ لا امتحانا وتجربة ، فلا يعقل النسخ قبل حضور وقت العمل في حقّ العالم بالغيب والمطّلع على المصالح والمفاسد.