والشاهد عليه : أنّ كلّ من حكم بوجوب مقدّمة الواجب حكم باستحباب مقدّمة المستحبّ ، فلو كان البحث فرعيّا ، للزم أن يجعل لاستحباب مقدّمة المستحبّ بحثا مستقلّا ، فجعل البحث واحدا وإجراء الحكم في غير مقدّمة الواجب قرينة قطعيّة على أن البحث ليس عن نفس وجوب المقدّمة ، بل عن ثبوت الملازمة بين الطلبين وعدم ثبوتها.
ثمّ إنّ لشيخنا الأستاذ (١) ـ قدسسره ـ في المقام كلاما حاصله : أنّا وإن فرضنا أنّ البحث عن نفس وجوبها ، لا تكون المسألة مع ذلك فرعيّة ، إذ الأحكام الفرعيّة تتعلّق بالعناوين الخاصّة ، كالصلاة والزكاة والخمس ونحوها ، والحكم بوجوب المقدّمة ليس لعنوان خاصّ ، بل ربّما ينطبق على الوضوء ، وربّما على المشي في طريق الحجّ ، وهكذا.
وفيه : أنّ الأحكام الفرعيّة لا تختصّ بما ذكر ، بل كثير من المسائل الفقهيّة ـ مثل النذر والعهد واليمين وقاعدة الطهارة وغير ذلك ـ تكون كذلك كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الوجوب المبحوث عنه في المقام ليس المراد منه اللّابدّيّة العقليّة بمعنى أنّه لا يمكن عقلا إتيان ذي المقدّمة بدون المقدّمة ، إذ معنى المقدّميّة ليس إلّا هذا.
وهكذا ليس المراد منه عين وجوب ذي المقدّمة الّذي ينسب إليها
__________________
ـ المسألة أصوليّة ، ونتيجتها حكم فرعي ، وإن قلنا : «هل مقدّمة الواجب واجبة شرعا بحكم العقل أم لا؟» أو غير ذلك من التعابير ، فالمسألة فرعية ، وحقيقة كلا العنوانين واحدة ، وهذا مثل قول القائل : «خواجه على ، على خواجه» كلاهما سيّان وإن كان البحث عن الجهة الأولى يشبه الأكل من القفا ، لأنّه يحتاج إلى تشكيل قياس واستنتاج وجوب المقدّمة ، بخلاف البحث عن الجهة الثانية ، وإذا أمكن جعل المسألة من المقاصد لما ذا نجعلها من المبادئ؟ (م).
(١) أجود التقريرات ١ : ٢١٣.