إذ القسم الثاني قد عرفت أنّه لا نزاع فيه ، ولا يتصوّر في المقام قسم ثالث أصلا.
الأمر الثاني : أنّه أورد صاحب الكفاية (١) على نفسه بأنّ لازم القول بالوجوب التعليقي وجوب جميع المقدّمات ـ غير ما دلّ دليل على عدم وجوبه ـ فيما إذا ثبت من الشرع وجوب واحد منها ، مثل : وجوب إبقاء الماء قبل الوقت لمن يعلم أنّه لا يكون واجدا له بعد الوقت إن أهرقه ، حيث يستكشف لمّا أنّ الوجوب معلّق وفعليّ ، فيجب سائر مقدّمات الصلاة ، فيجب الوضوء أيضا قبل الوقت إمّا موسّعا إن كان بعد الوقت أيضا مقدورا له ، وإمّا مضيّقا إن لم يكن كذلك. وأيضا لازمه جواز الوضوء بداعي الوجوب قبل الوقت.
ثمّ أجاب عنه بأنّه لا بدّ من الالتزام بذلك إلّا إذا كانت القدرة المأخوذة في الواجب بالنسبة إلى سائر المقدّمات قدرة خاصّة ، أي : القدرة في ظرف الواجب لا القدرة مطلقا ، أي : في ظرف الوجوب.
أقول : توضيحه أنّ القدرة الدخيلة في الملاك إمّا أن تكون القدرة المطلقة أو القدرة في ظرف الامتثال ، فإن كان في الواقع ، الأولى ، فيجب المقدور قبل الوقت كما ذكر ، وإن كانت الثانية ، فلا يجب على المكلّف أن يعمل عملا به يصير الفعل ذا ملاك ملزم في حقّه ، فحرمة إهراق الماء من جهة أنّه مقدور فعلا ، والدخيل في الملاك بالنسبة إليه هي القدرة المطلقة ، فلا يجوز سلب القدرة عن نفسه ، لأنّه مستلزم لتفويت الملاك الملزم.
وأمّا عدم وجوب الوضوء لمن لا يتمكّن بعد الوقت : فمن جهة أنّ التمكّن من الوضوء في ظرف العمل دخيل في الملاك لا مطلقا ، والمفروض
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٣٢.